قم بمشاركة المقال
على الرغم من الفوائد والمميزات الكثيرة للذكاء الاصطناعي، إلا أن الكثيرين ينظرون إلى جوانب أخرى مثل الجوانب الأخلاقية والتربوية والتحصيل العلمي وغير ذلك من الشؤون التربوية، متسائلين: كيف سيكون تأثير التقنيات على هذه الجوانب وهل تمتلك الشعوب الوعي الكافي للتعامل مع هذه التطورات؟
يقول الدكتور مصعب محلا الأستاذ المساعد في برنامج الدراسات الاستراتيجية للأمن والدفاع الوطني بجامعة السلطان قابوس: “في خضم عمليات الانتقال الحضارية الكبرى لا يسع الأفراد والمجتمعات والدول على حد سواء أن تغض الطرف عمّا يحدث وكأنها غير معنية فيه، لأنها ستجد نفسها كما يحصل مع المسافر الذي فاته القطار ولا يدري وسيلة أخرى تجعله يلحق بالقطار في أقرب محطة قادمة، وأستذكر في هذا السياق تعليق أحد أساتذتي في المرحلة الجامعية الأولى عندما كان موضوع العولمة يمثل حالة التطور الحضاري هذه، إذ قال لنا لا يمكننا أنغلق الأبواب والنوافذ على أنفسنا وإنما علينا أن نفتح النافذة ونكون منتبهين لما يدخل من خلالها ونقوم بقتل كل الذباب الداخل مع الهواء النقي”.
ويضيف: “ما أشبه اليوم بالأمس، فما من شك بأن منافع الذكاء الصناعي على البشرية كبيرة جداً، وهي قد تتفوق على أي اختراع بشري سابق قدمه المبتكرون والمخترعون في أزمنة سابقة، وهي تقع في ميادين عديدة من الطب إلى الهندسة إلى العلوم النظرية والمعلومات في الميادين المدنية والعسكرية، وهي مجالات دقيقة في صراعات المنظومات الدولية الكبرى على الصعيد الاستراتيجي، إلا أنها وفي جميع المجالات تطرح سؤالاً أخلاقياً على غاية من الأهمية في اتصاله بمعايير إنسانية تعارفت عليها البشرية على نحو تراكمي على مر الأزمنة”،وسأتحدث عن مجالي التخصصي في التكوين الأكاديمي المعرفي العالي، ففيه كما في غيره تطرح الأسئلة الأخلاقية حول الذكاء الصناعي واستخداماته، لأقول أنه أثبتت لنا التغيرات الحاصلة السابقة أن القيم الإنسانية العليا دائماً ما كانت تتفوق وتكون لها الغلبة في أي حالة تضر بالإنسان، وأن العلوم والمعارف الإنسانية بتنبيهها عن المخاطر التي تشكلها منتوجات الحضارة البشرية، فإنها تنبه هذه القيم لمواجهة التحديات الحاصلة، فعلى سبيل المثال: فإن استخدام تطبيقات Chat GPT كغيره من دمج للتكنولوجية في عملية التطور سوف يأخذ مساره التطوري الطبيعي حتى يستقيم وينتظم ويختبر في كافة الميادين، وسوف يكون له مضار في البداية على الأعمال والوظائف التي يقوم بها المتخصصون، وهذا دائماً ما كان يحصل دائماً مع أي عملية دمج تكنولوجية سابقة، من لا يواكبها ويتطور معها سواء كان فرداً أو مؤسسة أو دولة فإنه سوف يخرج من المنافسة، وعليه قد يستفيد البعض مما تتيحه لهم هذه التكنولوجيا بعيداً عن الانتظام الأخلاقي إلا أن العقول المتطورة لن تقف عاجزة وسوف تنتج آليات لاستيعاب التغيرات الحاصلة”.
ويؤكد الدكتور مصعب محلا: “لا يمكن الوثوق بشكل تام مع ما يقدمه الذكاء الاصطناعي للمستخدم، فهو ليس إلا حالة، صحيح أنها متطورة وتشكل نقلة حضارية إلا أنها لا تزال في بداية مسار التطور، هذا ولم ترقى بعد لتحل محل العقل البشري الخلاق، وبرأيي لن تحل أبدا، فالآلات التكنولوجية السابقة دائماً ما كانت تتفوق على قدرات البشر الجزئية إلا أنه لم يحصل في يوم من الأيام أنها تفوقت على قدرات الإنسان بكليته، ولذا فهذا المخلوق لا يزال جنيناً بحاجة لرعاية وإمكانات البشر الخلاقة لتطويره وتحويل التحديات التي يطرحها إلى فرص، لقد أعلن الأب الروحي جيفري هينتون، المعروف بعراب التكنولوجيا الحديثة، استقالته من جوجل وندمه في تطوير التطبيقات الذكية التي تهدد وظائف البشر وحياتهم على حد قوله، إلا أنني لا أرى في هذا التصرف سوا إنسان عاقل يقوم بتنبيه قوى الإنسانية الحية لإيجاد حلول للمشكلات التي يطرحها”.
ويختتم حديثه: “علينا أن نثق أولاً بالإنسان وقدرته الكونية في التفوق دائماً على كل المشكلات التي يواجهها. وثانياً، فإن حماية المصالح الفردية والاجتماعية هي مسؤولية متعددة المستويات تنطلق من الفرد وتقوى في المجتمع وتنتظم في الدولة والمجتمع الدولي، وعلى هذه المستويات المتعددة تقع مسؤولية المؤسسات، بتطوير آليات مواكبة تحمي مستقبل الإنسان، وتعطي الأدوار المتقدمة للمبدعين، فصحيح أن منتجات الحضارة يستطيع أي إنسان استخدامها إلى أن أرقى منتوجاتها لا يمكن أن يقدمها سوى المدعون الخلَّاقون، لذا علينا تطوير منظومة القيم والقواعد الناظمة لتواكب عملية التطور الحاصلة هذه، وذلك في المدارس والجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث والوزارات والمؤسسات الدولية التخصصية، بحيث أن تغطي عملية التطوير كل ما يكشف عنه من ثغرات وخروقات أولاً بأول، وكل ما تحتاجه عملية الدمج التكنولوجي من تدريب وتكوين وتطوير ملائم، على الفرد والمؤسسات مواكبتها وتحقيقها وإلا فإنه فقط من يستطيع ذلك سوف يبقى ميسطراً على مستقبل غيره”.
من جهتها، ترى سامية بنت ناصر الهنائية الباحثة في مجال الذكاء الاصطناعي في مؤسسات التعليم العالي، أن الخيال العلمي الذي كان ينتجه العقل البشري ليحاكي بعض الصور من المستقبل أصبح واقعا مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وبما أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد طالت أغلب جوانب الحياة ومنها مجال التعليم، بات من الواجب على مستخدمي هذه التقنيات الحذر عند التعامل مع هذه الطفرة الرقمية، مضيفة: “يجب أن يحدد المستخدم أولا الهدف من استخدامها وحدود استخدام هذه التقنيات لتجنب الانجراف وراء الاستخدام السلبي لها، كما يجب التركيز على حماية البيانات الشخصية، بطريقة تضمن للمستخدم سرية استخدام البيانات المدخلة. وعلى مستخدمي تقنيات الذكاء الاصطناعي للغرض العلمي الحرص على استسقاء المعلومة من أكثر من مرجع موثوق، كما يجب تدقيق ومراجعة المعلومات من قبل المستخدم، وإعادة استخدامها بما يخدم العملية التعليمية بدون تحيز شخصي، ومن الأمانة العلمية أيضا أن يقوم بالإبلاغ عن البرامج غير موثوقة أو قد توفر معلومات غير صحيحة، وبما أن تطور برامج الذكاء الاصطناعي في تسارع، على المتعلم أن يواكب آخر هذه التطورات المستحدثة والتي قد تساعد في عملية اتخاذ القرار، ويبقى على المستخدم فهم وتحليل أسس اتخاذ القرار ونتائجه، فمن المهم جدا أن يعتبر المستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي كـأداة مساعدة فقط لتحسين عملية التعلم وليست كـبديل أو مصدر موثوق للمعلومة كي لا تؤثر بشكل سلبي على استخدام وتطوير مهارات البحث العلمي والتفكير الناقد لدى المتعلم”.
وتشير إلى أنه من المهم جدا أخذ أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي بعين الاعتبار حيث أنها قد توجه الاستخدام بشكل أفضل لهذه التقنيات وتجنب المخاطر السلبية على المعلم والمتعلم على حد سواء.
ويسلط أحمد المعولي الضوء على هذه القضية من خلال إطار علمي، موضحا أن الذكاء الاصطناعي عبارة عن برامج حاسوبية تجعلها تحاكي القدرة العقلية للبشر مما سهل الكثير من المهام وسرعة الانجاز بأوقات قصيرة جدا وتحسين الخدمات وتقليل نفقات الجهات الحكومية والشركات لشراء البرامج والبرمجيات وفقدان الكثير من الوظائف، كما أنه في الوقت الحالي يستخدم الذكاء الاصطناعي في مما سهل على طلبة العلم الكثير من الوقت والجهد وحتى تنظيم وتنسيق التعليم في زمن قصير جدا وبطرق مرتبة ومنظمة.
ويحذر المعولي: “لكن في الكفة الأخرى هناك جوانب سلبية كثيرة للذكاء الاصطناعي حيث إنه يفقد الإنسان الإبداع الفكري وعدم التفكير والكسل والاتكالية وعدم القدرة على خلق تنافسية بين الطلاب مما يعرض منصات الذكاء الاصطناعي لفقدان البيانات في حاله تعرضهم لهجمات إلكترونية سيبرانية، وفي بيئة ما بعد الدراسة فقدان العديد من الوظائف بحكم ان هذه الوظائف تعتمد على الذكاء الاصطناعي وليست بحاجه لتدخل بشري ومن ثم قتل الإبداع والشغف بين الطلاب والباحثين عن عمل”.
في هذا السياق يعلق علي العمري وهو مهتم بالتقنية: “نحن اليوم نشهد ما يعرف بثورة الذكاء الاصطناعي، وهذا واقع يجب علينا التأقلم معه وتعلمه واستكشافه والمساهمة فيه قدر الإمكان، كما أن التطور السريع الذي تشهده الأدوات والخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، يحتم علينا التعامل معها بحكمة ووعي، لأنها ستؤثر بلا شك على الكثير من الأشياء وستغير الكثير من المفاهيم التي عرفناها في مجالات التقنية، ولذلك علينا المساهمة في التوعية بالذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن استخدامه والاستفادة منه بالشكل الأمثل”.
ويؤكد: “في الحقيقة نحن لا نعرف المدى الذي سيصل إليه الذكاء الاصطناعي، ولا مستوى التأثيرات الإيجابية والسلبية على حياتنا، نحن نحاول استيعاب المفاهيم الجديدة، التطور الحاصل سريع جدا، وسيحتاج الأمر لبعض الوقت، حتى نحصل على إجابات واضحة لكل تساؤلاتنا، الذكاء الاصطناعي سيأخذ وقته الطبيعي وسيثير الكثير من الجدل في الأوساط التقنية وغير التقنية”.