قم بمشاركة المقال
الشاب كريس يحرص على الظهور بملابس تناسب شخصية ساحر متدين (مواقع التواصل)
القاهرةـ يحدث في مصر أن يقتحم شاب مجلس اثنين على مقهى أو تجمعا شبابيا في الشارع، ليقدم حيلاً خداعية لهم، مصطحبا معه مصورا بكاميرا احترافية أو عدسة هاتف، فيسجل الحدث ويبثه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحقق أرباحا من المشاهدات.
هم من يمكن تسميتهم بالحواة الجائلين، وأبرزهم شابان هما عزام وكريس، اللذان لم يشتهرا فحسب بسبب تميز مهاراتهما، بل كذلك بحرصهما على إبراز تدينهما -على اختلاف ديانة الاثنين- أثناء قيامهما بالحيل الخداعية.
يجوب الشاب عزام الشوارع مقدما حيله في مواسم دينية أحيانا عبر مضاعفة قيمة العملة التي يملكها عمال نظافة بسطاء 100 ضعف أو أكثر، ويبدأ فقرته الخداعية بالبسملة، ويستعيذ بالله أن يسمى أحد حيلته في معرفة ما يدور بالأذهان تنبؤا لأن التنبؤ حرام، بل هو مجرد "توقع".
ويحرص الشاب كريس -وهو يجوب الشوارع والمقاهي- على أن يعلق في رقبته علامة عنخ المصرية، وكلمة عنخ تعني "الحياة"، وهي تشبه رمز الصليب، موزعا أموالا على بسطاء يعملون في مهن شاقة يقابلهم في الطريق.
كلا الشابين يوظفان وسائل التواصل الاجتماعي بمهارة، فعزام يتابعه على الفيسبوك أكثر من مليون ونصف المليون متابع، فيما تقول صفحة كريس المصري إن متابعيه 14 مليونا.
وكان الحواة الجائلون في السابق يتحصلون على مكاسبهم من استجلاب نقود رواد المقاهي المتعاطفين معهم بعد قيامهم بحركات إخراج النار من الفم وألعاب خفة اليد التي اعتاد السحرة الجائلون -في طبعتهم القديمة- تقديمها.
ظهر اللاعبان على مواقع التواصل في توقيت متقارب نهاية عام 2019، ومن ذلك الحين، تطورت مهاراتهما بشكل لافت.
ويضع عزام على صدر صفحته بالفيسبوك رسالة شكر لمليوني متابع حققوا مليار مشاهدة خلال عام 2020، ويمكن بحسبة بسيطة تخيل حجم أرباحه.
ومن المثير أن عزام -وهو طالب بكلية الهندسة- قام بالرد على متابعيه الذين وصفوا ما يفعله بالسحر، بموعظة دينية مطعمة بآيات من القرآن الكريم.
وأكد عزام أن ما يعمله مهارات تعلمها على مدى سنوات، محذرا إياهم من فتنة المسيخ الدجال ما داموا قد غرتهم مجرد حيل بسيطة يقدمها.
ورأى متابعون له في كلامه تناقضا، فقال مروان أحمد "أسأل الله إن كنت صادقا أن يوفقك، وإن كنت كاذبا أن يجعلك عبرة وآية".
أما براء محمد، فبدا غير مقتنع بما ردده عزام وقال "عندما يغضب ربنا على عبد، يبارك له في رزقه الحرام".
الطائر في الهواء
وتقول صفحة كريس المصري إن متابعيه 14 مليون شخص، وهو يحرص كذلك على إبداء تدينه المسيحي بعلامات مميزة على جسده، كوشم الصليب في معصمه، ويظهر برداء أسود في كل جولاته وفقراته.
ومثلما حرص عزام على تقديم موعظة دينية لمتابعيه، حرص كريس المصري في الفيديو الأول على الظهور فيه أمام باب محفورة عليه أشكال صلبان، مضى إليه وسط متابعيه بطريقة سينمائية، والحضور ينظرون إليه بشغف وانبهار.
وقف كريس أمام الباب وأمسك بحمامة مذبوحة، فوصل رأسها بجسدها وأطلقها حية لتطير وسط ذهول الحاضرين.
وتحضر قصص الحمام الطائر كثيرا في الموروث الديني عموما والمسيحي خصوصا، وترد قصص كثيرة عن حمام يحط على أبراج الكنائس مصاحبا لـ"ظهور العذراء"، وفق حكايات شعبية!
واستدعى هذا المشهد انتقادا لكريس من متابعيه، فقال أحمد بلال في تعليقه أسفل الفيديو "اعتبار أن هذه الألعاب ترفيهية وليست من أعمال الدجل والسحر، يهدمها عرضك لهذا المحتوى الغريب، وهذا يعني أنك بدأت ترسل رسائل بأن محتواك أخذ منحنى مغايرا تماما للسابق، والمتابع مهما كان انتماؤه ومهما كانت ميوله سيلاحظ ذلك".
وخلافا لعزام الذي يبهر متابعه دائما بإبراز مهاراته في قراءة أفكارهم وتوقع ما سيكتبونه، يبرز كريس مهاراته الجسدية، كما فعل ذات مرة طائرا في الهواء.
أما العنصر المشترك للحيل التي يقدمانها فهي استخدام ورق الكوتشينة. كما يتفق الاثنان في أنهما يعلنان عقب كل لعبة يقدمانها على أنهما لا يقدمان سحرا وإنما ألعاب خفة يد، إذ يعتبر القانون المصري مدعي ممارسة السحر "دجالين محتالين".
وتنص المادة 336 من قانون العقوبات، على "معاقبة كل من ارتكب أعمال الدجل والشعوذة والنصب بالحبس من 24 ساعة إلى 3 سنوات".
ورغم ذلك يضع عزام على الملصقات والدعايات الخاصة به لقب "الساحر عزام"، كما يسمي هذه الصفحات باسم "عزام ماجيك"، وهو نفس ما يفعله كريس.
عزام يبتكر حيلة تجميع صورة الفنان سمير غانم الذي توفي مؤخرا (مواقع التواصل)
الفضائيات على الخط
بات عزام وكريس ضيوفا على برامج وفضائيات تحاول أن تتجنب الموضوعات الجماهيرية الشائكة، فاتجهت لمحاولة زيادة المشاهدات عبر مثل هذه الموضوعات المثيرة.
وبدورهما، بدا الشابان مرحبين بهذه اللقاءات التي أضفت على أعمالهما مزيدا من المصداقية والاحترام. ويبدو أن تلك المكاسب والشهرة أغرت المعلمين القدامى بمحاولة العودة للساحة بأدوات حديثة.
وخرج الساحر بسام شرف -وكان ضيفا قبل سنوات على عدة برامج بألعاب شبيهة بما يقدمه الساحران- ليعلن أن ما قدمه عزام خارج المألوف ولا ينتمي لعالم ألعاب الخفة، نافيا في نفس الوقت في تصريحات صحفية أنه يجري بمساعدة جن، لكنه يتم بـ"التواطؤ بين فريق البرنامج وعزام".
وكان الشاب قد سحب أموالاً على الهواء من بطاقة إلكترونية تخص معدة بالبرنامج، كما أخبر المذيع والمعدين عن أسرار لا يعرفها إلا هم.
وعلى طريقة سلسلة أفلام هاري بوتر، أنشأ بسام شرف أكاديمية لألعاب خفة اليد، كما أسس متجرا لبيع أدوات هذه الألعاب، وسعى لتسويقها بالقول إن عزام هو أحد خريجيها، وكان "طالبا متميزا" بتعبيره.
في المقابل، انبرى مختصون بألعاب خفة اليد لكشف أساليب عزام وكريس تحديدا، ومنهم اليوتيوبر صدام العزي الذي فنّد طريقة عمل كل حيلة.
ولطالما اشتهرت مصر عبر التاريخ القديم بأنها أرض الحواة والسحرة، قبل أن تنتزع هذه الشهرة المملكة المغربية مؤخرا.
وتسجل الكتب السماوية موقفا مشرفا لسحرة مصر بانحيازهم للنبي موسى وأخيه هارون -عليهما السلام- ضد فرعون مصر، رغم أن فرعون اتهمهما بممارسة السحر قائلا: "قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى" كما جاء في الآية 63 من سورة طه.
ويتحدث القرآن الكريم عن السحر بمصر بأنه نوع من سحر الأعين لا تغيير الواقع، وهو ما يعني أنه لعبة خداعية للبصر بالتعبير الحديث.
وسجلت النصوص المصرية القديمة طرقا لما يمكن تسميته بالسحر الأبيض، بحسب خبير الآثار المصرية القديمة أحمد صالح.
وشرح صالح أن القوة السحرية التي كان يمتلكها الساحر بمصر القديمة تسمى "حكا"، وبحسب المعتقدات المصرية القديمة فيمكن أن يكون الساحر معبودا، مثل بتاح معبود مدينة منف الذي استخدم قدراته السحرية في إيجاد العالم، كما يمكن أن يكون كاهنا مرتلا (للنصوص والتعاويذ).