قم بمشاركة المقال
في السنوات الأخيرة، ظهر معدن جديد كمنافس قوي للذهب كاستثمار آمن، وخاصة في ظل الأوبئة والحروب والتوترات السياسية التي تؤثر سلبًا على شهية المستثمرين للمخاطرة وتدفعهم إلى البحث عن استثمارات آمنة لأموالهم.
على الرغم من اكتشافه في عام 1803، زاد بريق معدن "البلاديوم" في عيون المستثمرين خلال الأربع سنوات الماضية، بفضل تحقيقه لمكاسب سعرية قياسية. وبالتالي، أصبح البلاديوم أغلى من الذهب نفسه، حيث وصل سعره إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في 27 فبراير الماضي، حيث بلغ 2882.11 دولار للأوقية، بينما كان سعر الذهب 1934 دولار للأوقية.
وفي تعاملات الجمعة الماضية، سجل سعر البلاديوم 2435.6 دولار للأوقية، بينما سجل سعر الذهب 1934 دولار للأوقية. وقد ارتفع سعر البلاديوم بنسبة 26٪ منذ بداية عام 2020، بينما زادت أسعار الذهب بنسبة 25٪ خلال نفس الفترة.
ويعتبر البلاديوم أكثر ندرة بمقدار 30 مرة من الذهب، وهو أحد العناصر الستة في مجموعة البلاتينيوم، التي تُعرف بأنها عوامل حفازة ممتازة لزيادة سرعة التفاعلات الكيميائية. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخراج الذهب من عمليات تعدين البلاتينيوم والنيكل، ويتمتع بخصائص فيزيائية هامة يتم استغلالها في تقليل انبعاثات الكربون بنسبة تصل إلى 90٪.
اقرأ أيضاً
يتم استخدام 80 بالمئة من إنتاج البلاديوم في صناعة السيارات للحد من انبعاثات الكربون الناتجة عن عوادم السيارات. ويتم أيضًا استخدامه في العديد من الصناعات الأخرى مثل الإلكترونيات وطب الأسنان والتطبيقات الكيميائية والمجوهرات ومعالجة المياه والمنتجات الصناعية الأخرى.
تكمن أهمية البلاديوم في ندرته بالإضافة إلى خصائصه واستخداماته المتعددة. ووفقًا لـ "investing.com"، تراجعت مخزونات البلاديوم الموجودة فوق سطح الأرض بنسبة 30 بالمئة أو ما يعادل 5.3 مليون أونصة (165 طن) منذ عام 2010.
اقرأ أيضاً
تتوقع شركة الاستشارات المتخصصة في المعادن (متلز فوكس) نقصًا في إمدادات البلاديوم بمقدار 124 ألف أونصة (3.9 طن) في العام الحالي، وتشير إلى أن هذا سيكون أدنى مستوى عجز في سوق البلاديوم منذ عام 2011، حيث كانت السوق في فائض. وفي عام 2016، بلغ العجز 1.29 مليون أونصة.
مع تشديد الاتحاد الأوروبي لشروطه للحد من الانبعاثات الضارة، زاد الطلب على البلاديوم بشكل كبير. وذلك بعد فضيحة تلاعب شركة "فولكس فاغن" الألمانية لتصنيع السيارات في قياس نسبة انبعاثات السيارات وتزوير البيانات المتعلقة بها. وتستخدم شركات السيارات العالمية طبقة رقيقة من البلاديوم في تغطية محول الحفاز (catalytic converters)، حيث يعمل البلاديوم على خفض معدلات انبعاثات أول أكسيد الكربون وأكسيد الآزوت وثاني أكسيد النيتروجين قبل طردها من خلال نظام العادم خارج السيارة على شكل ماء وثاني أكسيد الكربون.
تم اعتبار البلاديوم "كنزًا عرضيًا للسرقة"، وذلك بسبب ارتفاع قيمته السعرية القياسية.
وفقًا لتقرير نشره موقع "يورونيوز"، شهدت بعض المدن في أوروبا والولايات المتحدة ارتفاعًا ملحوظًا في حوادث سرقة المحولات الحفازة خلال عام 2019. وتعود هذه الحوادث إلى رغبة اللصوص في الحصول على معدن البلاديوم الذي يتواجد في تلك المحولات بعد إعادة تدويرها.
وأفادت السلطات في ولاية فيرجينيا الأمريكية بوقوع أكثر من 15 حادث سرقة لمحولات حفازة من سيارات تم تركها في الشوارع خلال فترة قصيرة جدًا في العام الماضي. وكما سجلت الشرطة البريطانية عددًا من الحوادث المماثلة لسيارات مرسيدس بنز وبي إم دبليو وأودي وفولكس فاغن، وهي السيارات الأكثر تزويدًا بمعدن البلاديوم. ويتم بيع هذا المعدن في أسواق الخردة بأسعار تصل إلى حوالي 400 دولار.
وتحتوي السيارات الصغيرة والشاحنات الخفيفة على كمية تتراوح بين 2 و 6 جرامات من معدن البلاديوم، بينما تحتوي السيارات ذات الدفع الكلي التي تنتج مستويات أعلى من العوادم على نحو أوقية كاملة من البلاديوم أي ما يقرب من 31.1 جرامًا.
تم تداول شريط فيديو على وسائل الإعلام البريطانية يظهر لصًا يقوم بسرقة محول حفاز في ضوء النهار وعلى الطريق العام، وتسبب ذلك في حدوث ازدحام مروري. ولم يبدي اللص أي اهتمام بالأشخاص المحيطين به أو بحركة السير المزدحمة التي تسببها. وبعد الانتهاء من "العملية"، عاد اللص إلى سيارته التي كان قد ركنها بالقرب من السيارة التي تعرضت للسرقة، وسط دهشة وحيرة من الشخص الذي قام بتصوير الفيديو.
أما في ولاية ميسوري الأمريكية، فقد اتجه اللصوص نحو الشاحنات. حيث تمت سرقة أجهزة مكافحة التلوث من حوالي 20 شاحنة متوقفة في موقع واحد بالقرب من سانت لويس في وقت سابق من هذا الشهر. وقد كان اختيارًا ذكيًا لأن السيارات الكبيرة تستخدم مزيدًا من المعادن البلاتينية في محولاتها.
تشهد هذه الحوادث زيادة في الطلب على معدن البلاديوم، الذي يعتبر أحد المكونات الرئيسية للمحولات الحفازة في السيارات. وتعتبر روسيا وجنوب أفريقيا وكندا والولايات المتحدة أكبر منتجي المعدن في العالم.
ووفقًا لموقع "أرقام"، تُعد روسيا وجنوب أفريقيا وكندا والولايات المتحدة وزيمبابوي أكبر خمس دول منتجة للبلاديوم في العالم.
حيث أنتجت روسيا 81 طنًا متريًا من البلاديوم في عام 2017، في حين أنتجت جنوب أفريقيا 78 طنًا وكندا 19 طنًا والولايات المتحدة 13 طنًا، وزيمبابوي 12 طنًا، وفقًا للمصدر نفسه.
تحتل شركة "نوريلسك نيكل" الروسية المرتبة الأولى بين أكبر منتجي البلاديوم على مستوى العالم، حيث تمثل 39٪ من الإنتاج العالمي.
ويشير المحللون والخبراء إلى وجود عدة طرق للاستثمار في البلاديوم، بما في ذلك شراء سبائك البلاديوم، أو الاستثمار في العقود الآجلة للبلاديوم المتداولة في بورصة نيويورك التجارية وبورصة طوكيو للسلع الأساسية، أو الاستثمار في الصناديق المتداولة للبلاديوم، وهي صناديق استثمار مدعومة بسبائك من البلاديوم، أو شراء أسهم في شركات تعدين البلاديوم (الشركات التي تعمل في مناجم استخراج البلاديوم وإنتاجه).
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن استخراج وإنتاج البلاديوم يأتي مع تكاليف بيئية عالية، حيث تنتج عمليات التعدين العديد من المخلفات السامة وتلوث المياه والهواء. لذا، يجب أن تكون هناك جهود مستدامة للتعامل مع هذه التحديات وتطوير تكنولوجيا بديلة ونظيفة لاستخراج المعدن.
في النهاية، يجب أن نتذكر أن الاقتصاد العالمي يتأثر بتقلبات سوق المعادن، ويجب أن يتم التعامل مع هذه الاستثمارات بحذر وعقلانية لتحقيق الاستدامة والاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية.