قم بمشاركة المقال
أوصى معالي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله ، والعلم أن أعقل الناس من ترك الدنيا قبل أن تتركه ، واستعد للقاء ربه قبل أن يقابله ، وأصلح قبره قبل أن يسكنه .
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: الإنسان مدني بطبعه ، لا يعيش منعزلًا ، بل يعيش متفاعلًا إيجابيًا ، يصادق هذا ، ويصاحب هذا ، ويقضي حاجة هذا ، ويصنع معروفًا لهذا ، ويسدى نصحًا لهذا، ويفعل ما يستوجب الشكر لهذا، وأن هناك سلوك أخلاقي ، وأسلوب اجتماعي ، خلق جليل ، فيه صلاحُ المجتمع ، وتقويةُ روابطه ، ونشرُ الألفةِ والمحبةِ في أوساطه ، سجيةٌ من سجايا الكرام ، خلقٌ يدل على سلامةِ القلب ، وطهارةِ النفس ، ونقاءِ السريرة .
وأوضح أن هذا الخلق الكريم يتحلى به أناس كرام ، اصطفاهم المولى عز وجل للجميل وللمعروف ، همهم الإسعادُ والمساعدَة ، لا يريدون جزاء ولا شكورًا ، إنه خلق حفظِ المعروف ، وردِّ الجميل ، ومقابلةِ الإحسان بالإحسان ، مؤكدًا أن القدوة الأولى والأسوة العظمى في ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فسيرته كلها جمال ، وحفظ للجميل ، مع القريب ومع البعيد ، ومع المسلم والكافر .
وقدم فضيلته قبس من هذه السيرة النبوية الشريفة المباركة حيث تقول عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة رضي الله عنها ، فيحسن عليها الثناء ، فذكرها يومًا من الأيام فأدركتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلا عجوزًا ، فقد أبدلك الله خيرًا منها ، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ، ثم قال : لا والله ما أخلف الله خيرًا منها : وقد آمنت بي وكفر بي الناس ، وصدقتني وكذبني الناس ، وواستني من مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها الأولاد إذ حرمني أولاد النساء ، قالت عائشة : فقلت بيني وبين نفسي: لا أذكرها بسوء أبدًا . رواه أحمد في مسنده ، والطبراني في الكبير ، وحسن الهيثمي إسناده في المجمع .
وأردف يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح شاة يقول : أرسلوا إلى أصدقاء خديجة وجاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عند عائشة رضي الله عنها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أنت ؟ فقالت : أنا جثامة المزنية ، فقال : بل أنت حسانة المزنية ، كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف أنتم بعدها ؟ فقالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فلما خرجت قلت يا رسول الله : تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ، قال : إنها كانت تأتينا زمن خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان، أخرجه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد على شرط الشيخين .
وبين معاليه أن من حسن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وحفظه للجميل ما ذَكَر من فضل أبي بكر رضي الله عنه إذ يقول عليه الصلاة والسلام : ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة ، وما نفعني مالٌ أحد قط ما نفعني مالُ أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ، إلا أن صاحبكم خليل الله . أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، كما حفظ النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار رضوان الله عليهم جميلهم حين نصروه وآووه ، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل دعوته ونصره ، وآخوا إخوانهم المهاجرين ، وواسوهم بأموالهم ، وآثروهم على أنفسهم ، فقال عليه الصلاة والسلام ” لولا الهجرة لكنت امرًا من الأنصار ، ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ، الأنصار شعار والناس دثار ) وقال : أوصيكم بالأنصار فإنهم كِرْشِي وعيبي – أي موضع سري وأمانتَي ، قد قضوا الذي عليهم ، وبقي الذي لهم ، فاقبلوا محسنهم ، وتجاوزا عن مسيئهم .
وواصل إمام وخطيب المسجد الحرام يقول كما حفظ عليه الصلاة والسلام جميل الصحابة كلِّهم رضوان الله عليهم فقال : لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه، بل لقد حفظ عليه الصلاة والسلام جميل المشركين ، فهذا المطعم بن عدي ، سعي في نقض الصحيفة التي علقتها قريشِ في الكعبة لمقاطعة بني هاشم وبني المطلب لأنهم نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أنه – أي المطعم بن عدي – أجار النبَّي صلى الله عليه وسلم حين منصرفه من الطائف ، فتسلح المطعم هو وأهله وبنوه ، وخرجوا حتى أتوا المسجد ، ثم بعث إلى رسول الله صلى عليه وسلم أن ادخل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطاف بالبيت وصلى ، ثم انصرف إلى منزله .
وبين الشيخ ابن حميد أن من أجل هذا كله قال النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر : لو كان المطعم بن عدي حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له وفي رواية : لو كان المطعم حيًا فكلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له . أي أُسارى بدر ، أخرجه أحمد والبخاري .
وأكد الشيخ بن حميد أن حفظ المعروف والاعتراف بالجميل يكون لكل الناس يكون للوالدين ، وللزوجين ، وللمعلمين ، وللناس أجمعين أما الوالدان فهما اللذان يسهران لينام أولادهما ، ويجوعان ليشبع أولادهما ، ويمتنعان عن الأكل ليطعم أولادهما ، وهما في كل ذلك مغتبطان مسروران والاعتراف بجميلهما يكون ببرهما ، والإحسان إليهما ، وتوقيرهما ، والأدبِ معهما ، والبعدِ عن كل ما يكدرهما .
وتناول فضيلته الحياة بين الزوجين بالقول فهي حياة سكنٍ وطمأنينةٍ ، وعيشٍ كريم ، وقد يقع ما ينغص العيش ، ويكدر المعيشة ، ويزعزع الاستقرار ، وحينئذ يأتي الاعتراف بالجميل ، وحفظ الفضل والمعروف ليعيد السكينة ، وينشر الطمأنينة ، ويحفظ السعادة فالزوج هو الذي يكد ويكدح ليوفر العيش الكريم ، والزوجة هي التي تحفظ الزوج في غيبته ، وتربي الأولاد ، وتحفظ المال ، وتوفر الهدوء والاستقرار في البيت ، فإذا ما أدرك الزوجان جميل كل واحد ، ومقام صاحبه ظللتهما السعادة ، وغشيتهما السكينة.
وأضاف أما المعلم فهو الذي يبذل الجهد في التعليم ، والمتابعة ، والتربية ، وسروره حين يرى التفوق في طلابه ، والنجابة في تلاميذه وحفظ جميله بالاعتراف بفضله ، واحترامه ، وتوقيره ، والدعاء له ، والحذر من إيذائه ، والإساءة إليه .
وأكد الشيخ صالح بن حميد أن رد الجميل ينبغي أن يكون بأدب وكرامة ، من غير منة ولا إهانة ، والكريم أسيرُ صاحبِ الجميل ، وإذا صنعت جميلًا فاستره ، وإن صُنِع لك جميل فانشره ومن الحكم : انحتوا المعروف على الصخر ، واكتبوا الآلام على الرمل ، فإن رياح المعروف تذهبها .
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام إلى صناعة المعروف لأهله ، ولغير أهله ، فإن كان من أَهْلِه فبها ونعمت ، وإن لم يكن من أهله فأنتم أهله ، وإذا صنعتم المعروف فلا تنتظروا الجميل ، بل اصنعوا المعروف لأنه خلق لكم ، والنبيل لا ينتظر الاعتراف بالجميل ، ولا أن يُقَابَلَ إحسانه بإحسان مثله ، ولا يريد جزاء ولا شكورا والتربية على الفضائل تحمي بإذن الله من الرذائل .
وختم الشيخ الدكتور بن حميد خطبته بالقول ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، واعلموا أن مما يشق على النفوس أن يقابل الجميل بالنكران ، ويقابلَ المعروف بالأذى ، والتنكرُ للمعروف يدل على لؤم الطبع ، عافانا الله وإياكم من كل خلق ذميم .
وفي المدينة المنورة ، أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ عبدالبارئ الثبيتي المسلمين بتقوى الله تعالى قال جل من قائل (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).
وبين فضيلته أن التأريخ خلد للأنصار مواقفهم في صدر الإسلام وأن الله تعالى سماهم الأنصار قال تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ).
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن الأنصار أحبوا رسول الله وعزروه وناصروه بثبات في كل مراحل الرسالة ومن صور صور محبة الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم حفاوتهم بمقدمه بخروجهم حين دخل المدينة بالتهليل فرحًا وابتهاجًا.
وتابع أن مما يحفظه التاريخ للأنصار حبهم لمن هاجر إليهم مفعمًا بمعاني الوفاء والعطاء والإيثار حيث قدِم المهاجرون المدينة لا مال لهم ولا مأوى فواساهم الأنصار بالمال والمأوى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الأنصار والهاجرين في أخوة لم يشهد التاريخ لها مثيلًا، قال تعالى (وَٱلَّذِينَ تَبَوَّأوا ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ).
وأوضح فضيلته أن هذه الأخوة أسست لنهضة أمة وحضارتها ونشرت السلم والسلام والعدل، مشيرًا إلى أن أخوة الدين تصنع العجائب حيث أكد القرآن عليها وأشادت بها السنة الخطبة الثانية بين إمام وخطيب المسجد النبوي أن الأنصار حظوا بوسام الشرف حين آووا ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم دليل الإيمان فمن أحبهم كان مؤمنًا، قال صلى الله عليه وسلم (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بُغْضُ الأنصار )
وختم فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار وأبنائهم وأبناء أبنائهم، ففي الحديث (اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، ولنساء الأنصار) .