قم بمشاركة المقال
تعكس كسوة الكعبة المشرفة أهمية بيت الله الحرام والاهتمام بتزيينه وجعله مكانًا مشرفًا وجميلًا يليق بمكانته في الإسلام. تاريخ كسوة الكعبة المشرفة يعود إلى العصور القديمة، حيث كان يتم تغطية الكعبة بالأقمشة والستائر الملونة. ومع فتح مكة في عام 630، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزالة الأصنام والتماثيل من الكعبة وطهرها، وتم استبدال الستائر القديمة بستار أبيض بسيط. في العصور الإسلامية المبكرة، شهدت كسوة الكعبة تطورات ملحوظة، حيث تم استخدام الأقمشة المزخرفة والتطريزات، واستخدام الحرير والذهب والفضة في صنع الكسوة. تم تغيير الكسوة بانتظام، وكانت تكسى بكل الألوان قبل الإسلام وبعده. وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح، والأزرقي في أخبار مكة أن الكعبة كانت تكسى بالأبيض والأسود والأخضر والأصفر. واستمرت بالكسوة الخضراء بعد ذلك. وقف الكسوة يعتبر من أهم الوقفيات التي أنشئت لحماية الكسوة والحفاظ عليها. بدأ وقف الكسوة في عهد الحكام الفاطميين، حيث كانوا يرسلون كسوة الكعبة كل عام من مصر، وكانت الكسوة بيضاء اللون. وفي عهد الدولة المملوكية، وخصوصًا في عهد السلطان الظاهر بيبرس، أصبحت الكسوة ترسل من مصر، وكانت المماليك يرون أن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد، ولو وصل الأمر إلى القتال.
تأكدت حماية الحرمين لمصر بصفة قاطعة خلال فترة حكم المماليك، حيث اعترف حكام اليمن بحق مصر في صناعة الكسوة. وقد تم اعتقال ملك اليمن "المجاهد" وإرساله إلى مصر مكبلاً بالأصفاد بعدما قدم من اليمن وهو يحمل كسوة بيضاء، وكان يرغب في إزالة الكسوة المصرية. ونتيجة لذلك، قام الملك الصالح إسماعيل بن عبدالملك الناصر محمد بن قلاوون بإيقافه عام 751 هجرية لضمان تمكن مصر من تزويد الكعبة بكسوتها السنوية.
تم إنشاء وقف كسوة الكعبة في قريتين من قرى القليوبية، وهما "بيسوس وأبوالغيث"، وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنويًا. واستمر هذا النظام حتى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني.
تم تحسين كسوة الكعبة المشرفة على مر العصور، حيث تمت إضافة الزركشة والتطريزات الفاخرة والألوان الزاهية إلى حلة الكعبة. كما تمت إضافة سبع قرى إلى وقف الكعبة، لتصبح تسع قرى، وذلك للوفاء بالتزامات كسوة الكعبة السنوية.
انطلاق موكب كسوة الكعبة
كانت مصر ترسل الكسوة في مظهر ديني احتفالي يسمى الموكب. يتكون الموكب من جمال يحمل الكسوة الجديدة وجمال يحمل المياه وأمتعة الحجاج، ويحرسه جُند حتى يصل إلى الحجاز، ويتبعه رجال الطرق الصوفية الذين يدقون الطبل ويرفعون الرايات.
بعد الحج، يعود المحمل حاملاً الكسوة القديمة للكعبة، وتُقطع هذه الكسوة وتوزع على النبلاء والأمراء، وتُعتبر هذه القطع من الأشياء الثمينة التي تحظى بالتقدير والاحترام.
ظلت الكسوة تُصنع في مصر حتى عام 1962 ميلاديًا، ثم تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعة كسوة الكعبة. حيث أمر الملك عبدالعزيز آل سعود بإنشاء دار خاصة لصناعة الكسوة وجلب أمهر العمال للعمل فيها.
تتم عملية استبدال ثوب الكعبة في إطار منظومة متكاملة من الخدمات التي تلتزم بأعلى المعايير العالمية. تم البدء بإزالة المذهبات القديمة استعدادًا لتغيير الثوب القديم واستبداله بثوب جديد للكعبة.
يعمل فريق مختص من الحرفيين السعوديين المؤهلين علميًا وعمليًا على فك وتغيير ثوب الكعبة. يتألف الفريق من 114 حرفيًا ماهرًا يعملون يدويًا لإنتاج 56 قطعة مذهبة على كسوة الكعبة باستخدام أسلاك من الذهب والفضة.
تستغرق عملية صنع القطعة المذهبة الواحدة ما بين 60 إلى 120 يومًا. يستخدم إجمالي 120 كيلوجرام من الذهب و100 كيلوجرام من الفضة في القطع المذهبة على كسوة الكعبة، وتصل تكلفتها إلى 25 مليون ريال.
وفقًا لوكالة الأنباء السعودية، تحتوي كسوة الكعبة المشرفة على 53 قطعة مذهبة، بما في ذلك 16 قطعة للحزام، و7 قطع تحت الحزام، و4 صمديات، و17 قنديلاً، و5 قطع لستارة الباب، وقطعة للركن اليماني، و2 كينار، وحلية الميزاب.
يشرف الفريق المختص على عمليات فك المذهبات وتغيير الثوب الأساسي للكعبة. تشمل هذه العمليات رفع الثوب القديم وإزالة المذهبات، واستبدال الثوب القديم بالجديد، ثم وضع الكسوة الجديدة.
من خلال هذا الإنجاز السنوي، يستمر تقليد الاهتمام المستمر بكسوة الكعبة المشرفة، التي تمثل رمزًا هامًا في الإسلام والتاريخ الإنساني.
أوضح المهندس سلطان بن عاطي القرشي، مساعد الرئيس العام لشؤون مجمع الملك عبدالعزيز لصناعة كسوة الكعبة المشرفة والشؤون الهندسية والفنية والتشغيلية، أن عملية استبدال الكسوة القديمة للكعبة المشرفة تمت بحرفية ودقة عالية. تم تركيب الكسوة الجديدة المكونة من أربعة جوانب مفرقة وستارة الباب بعناية فائقة. تم رفع كل جانب من الجوانب الأربعة بشكل مستقل إلى أعلى الكعبة المشرفة ثم تثبيتها من الأعلى بربطها. تم إزالة الحبال القديمة بتحريك الجانب الجديد بحركة دائمة إلى أعلى وأسفل. تم تكرار هذه العملية أربع مرات لكل جانب لإكمال الثوب. تم وزن الحزام على خط مستقيم للجهات الأربع لخياطته.
وأوضح القرشي أن العملية بدأت من جهة الحطيم بسبب وجود الميزاب الذي يحتوي على فتحة خاصة به في الثوب. تم تثبيت الأركان بحياكتها من أعلى الثوب إلى أسفله، وعمل فتحة في القماش الأسود تقدر بحوالي 3.30 أمتار عرضًا لتثبيت الستارة. تم عمل ثلاث فتحات في القماش الأسود لتثبيت الستارة من تحت القماش. ثم تم تثبيت الأطراف بحياكتها في القماش الأسود على الثوب.
وأوضح القرشي أن الكسوة تتوشح من الخارج بنقوش منسوجة بخيوط النسيج السوداء بطريقة الجاكارد. تحتوي الكسوة على عبارات مثل "يا الله يا الله" و"لا إله إلا الله محمد رسول الله" و"سبحان الله وبحمده" و"سبحان الله العظيم".