قم بمشاركة المقال
عندما نحاول حفظ نص ما، قد نعتقد أنه كلما بذلنا مجهودًا ذهنيًا أكبر، ستنطبع المعلومات في ذاكرتنا. ولكن ربما يكون كل ما نحتاجه لحفظ المعلومات هو أن نخفض الإضاءة ونسترخي لبضع دقائق. ستلاحظ أن قدرتك على استرجاع المعلومات بعد الاسترخاء أفضل بكثير من قدرتك على استرجاعها بعد التركيز والتكرار.
بحسب بحث جديد، من الأفضل أن نمتنع قدر الإمكان عن التفكير أثناء فترات الاسترخاء بعد اكتساب مهارة أو معلومات جديدة. هذا يعني أنه يجب علينا تجنب أي أنشطة قد تعرقل عملية تكوين الذكريات، مثل القيام بمهام أخرى أو قراءة البريد الإلكتروني أو تصفح الإنترنت على الهاتف الذكي. يجب أن نتيح للدماغ الفرصة للاسترخاء واستعادة نشاطه دون أي تشتيت.
على الرغم من أن هذا الاكتشاف يمكن أن يكون فرصة للطلاب الكسالى لتجنب المذاكرة، إلا أنه في نفس الوقت يمكن أن يخفف من معاناة المصابين بفقدان الذاكرة وبعض أنواع الخرف. فهو يقترح طرقًا جديدة للاستفادة من قدرات كامنة للتعلم والتذكر التي لم تُكتشف من قبل.
أول من وثق أهمية فترات الاسترخاء في تقوية الذاكرة كان عالم النفس الألماني جورج إلياس مولر وتلميذه ألفونس بيلزكر في عام 1900. في إحدى تجاربهما عن تثبيت الذكريات، طلبا من المشاركين حفظ قائمة من مقاطع كلمات بلا معنى. وبعد أن أتاحا لهم فترة قصيرة لتعلمها، حصل نصف المشاركين على القائمة الثانية مباشرة، بينما أخذ النصف الآخر فترة راحة لمدة ست دقائق قبل مواصلة الحفظ. وبعد ساعة ونصف، اختبرا المجموعتين ولاحظا أن المشاركين الذين حصلوا على قسط من الراحة تذكروا 50% من المعلومات في القائمة، بينما لم تتذكر المجموعة الأخرى إلا 28% فقط من المعلومات.
اقرأ أيضاً
تشير هذه النتيجة إلى أن المعلومات الجديدة تكون أكثر عرضة للفقدان بعد عملية تحويلها إلى رموز قابلة للتخزين في الذاكرة، فيما يُعرف بعملية الترميز. وبالتالي، فمن السهل أن تشوش عليها المعلومات الأحدث وتتداخل معها.
في دراسة جديدة، توصل باحثون إلى أن الراحة القصيرة بعد التعلم يمكن أن تحسن الذاكرة وتعزز القدرة على استرجاع المعلومات. وتقدم هذه النتائج أملاً في تطوير طرق جديدة لتحسين الذاكرة لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الذاكرة بسبب إصابات الدماغ أو الأمراض مثل السكتة الدماغية ومرض ألزهايمر.
اقرأ أيضاً
قام باحثون من جامعة إدنبرة وجامعة ميسوري بإجراء دراسة تعتمد على دراسة سابقة أجريت في عام 2010 من قبل ماركوس مولر وميلان بيلزيكر. في الدراسة الأصلية، خضع المشاركون لاختبار يتطلب حفظ قائمة من الكلمات، ثم أخذوا استراحة قصيرة قبل أن يختبروا مرة أخرى لاسترجاع الكلمات التي تعلموها.
وفي الدراسة الجديدة، قام الباحثون بتكرار الاختبار مع مشاركين يعانون من مشاكل في الذاكرة بسبب إصابات الدماغ. وتبين أن الراحة القصيرة بعد التعلم تحسنت قدرتهم على استرجاع المعلومات بشكل كبير. وقد زاد عدد الكلمات التي تمكنوا من استرجاعها ثلاثة أضعاف، وكانت نسبة الاسترجاع تقارب نسبة الاسترجاع لدى الأشخاص الأصحاء.
وفي دراسة أخرى، تبين أن الراحة القصيرة بعد التعلم تحسنت قدرة المشاركين على استرجاع المعلومات المكانية وتذكر مواقع معالم مختلفة في بيئة الواقع الافتراضي. واستطاع المشاركون أيضاً استرجاع المعلومات والمهارات بعد أسبوع من تعلمها.
وأشار الباحثون إلى أن الراحة القصيرة تحقق مزايا مشابهة للأشخاص الناجين من السكتة الدماغية والمصابين بمرض ألزهايمر في مراحلهم المبكرة والمعتدلة.
وتوصي الدراسة بأن يقضي الأشخاص بعض الوقت في الراحة بعد التعلم، وأن يكونوا في غرفة هادئة وخافتة الإضاءة، وأن يتجنبوا الانشغال بأنشطة أخرى أو الاستغراق في أحلام اليقظة. ويفضل أن يسبحوا في خيالهم أو يستمعوا إلى قصص ممتعة.
وتعتبر هذه الدراسة خطوة هامة نحو فهم أفضل لكيفية تحسين الذاكرة وتطوير طرق جديدة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الذاكرة.
من الأفضل تجنب أي مجهود ذهني أثناء فترة الراحة، وذلك لأن المعلومات الحسية بعد ترميزها تمر بمرحلة تثبيت تترسخ في الذاكرة طويلة المدى. كان العلماء يعتقدون أن هذه العملية تحدث أثناء النوم، وتزيد الاتصال بين منطقة الحصين بالدماغ وقشرة الدماغ، وهذه العملية تساهم في تكوين روابط جديدة بين الخلايا العصبية وتقويتها، وهذه الروابط ضرورية لاسترجاع المعلومات لاحقًا.
تشير دراسة أجريت في جامعة نيويورك في عام 2010 إلى أن النشاط العصبي في الدماغ يزيد أيضًا في فترات الاسترخاء أثناء اليقظة. في هذه الدراسة، طُلب من المشاركين حفظ أزواج من الصور ومن ثم الاستلقاء والاسترخاء لفترة قصيرة. لاحظت الباحثة زيادة في التواصل بين منطقة الحصين وبعض المناطق في القشرة البصرية خلال فترة الراحة. وأشارت الباحثة إلى أن زيادة الاتصال بين هذه المناطق يزيد من القدرة على تذكر المعلومات. ويبدو أن الاضطرابات العصبية تؤثر سلبًا على القدرة على استرجاع المعلومات بسبب تداخلها مع المعلومات الجديدة.
وفقًا لذلك، يساعد الحصول على فترة راحة بعد اكتساب معلومات جديدة الناجين من السكتة الدماغية ومرضى ألزهايمر على استرجاع المعلومات. وقد أثارت هذه النتائج اهتمام العديد من علماء النفس. يقول أيدان هورنر من جامعة يورك: "أغلب الدراسات الحالية حول هذا الموضوع توصلت إلى نتائج مشابهة، وهذا أمر رائع". ويعتقد هورنر أن هذه النتائج يمكن أن تساهم في إيجاد وسائل جديدة لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية. ويشير هورنر إلى أنه قد يكون من الصعب على الأشخاص ذوي الإعاقة الحصول على فترات استرخاء كافية لتحسين قدرتهم على استرجاع المعلومات يوميًا بشكل عام، ولكن يمكن أن تساعد فترات الاسترخاء المرضى في حفظ المعلومات الجديدة المهمة، مثل اسم مقدم الرعاية الجديد أو ملامح وجهه.
تقول ديوار أنها سمعت عن حالة مريضة تمكنت بفضل فترة قصيرة من الاسترخاء من تعلم اسم حفيدتها، ولكنها تؤكد أن هذا الدليل غير موثق. ويشير توماس باغيولي من جامعة نوتنغهام ترينت في المملكة المتحدة إلى أن بعض مرضى ألزهايمر ينصحون بممارسة التأمل والاستغراق الذهني لتخفيف التوتر وتحسين الصحة العامة. يقول باغيولي: "بعض هذه الأساليب تساعد على الاسترخاء، ومن المفيد أيضًا استكشاف تأثيرها على الذاكرة وما إذا كانت تعود إلى منع التداخل بين المعلومات أو لأسباب أخرى".
ومع ذلك، يضيف أنه قد يكون من الصعب تطبيق هذه النتائج على المصابين بالخرف الحاد. ومع ذلك، يتفق كل من باغيولي وهورنر على أن أخذ فترات راحة منتظمة طوال اليوم بدون أي مشتتات سيساعد في ترسيخ المعلومات الجديدة في الذاكرة إلى حد ما، على الرغم من أن التحسن الذي سجلته هذه الدراسات كان يتراوح بين 10 و 30 في المئة، وهذا يعني زيادة درجة أو درجتين عن المعدل الطبيعي للعديد من الطلاب.
يقول هورنر: "إذا أخذت قسطًا من الراحة لمدة تتراوح بين 10 و 15 دقيقة بين الحين والآخر أثناء فترة المراجعة، فقد تتحسن قدرتك على استرجاع المعلومات في وقت لاحق". وقد يكون من الجيد أن نتذكر، عند شحن هواتفنا المحمولة، أن عقولنا أيضًا تحتاج إلى فترات منتظمة من الراحة لاستعادة نشاطها.